لماذا فشلت طائرات Airbus A380 العملاقة؟ وهل انتهى عصر الطائرات الكبيرة؟

في عالم الطيران اليوم هناك العديد من الشركات المصنعة للطائرات حول العالم، لكن بين عشرات الشركات الصغيرة وقليلة الأهمية ربما هناك عملاقان حقيقيان يهيمنان على المجال: Boeing الأمريكية ومنافستها الأوروبية Airbus. وطوال عقود تسابقت الشركتان على تقديم الحلول الأفضل لمجال الطيران وبالتالي بيع أكبر عدد من الطائرات. وبينما كان هناك العديد من مشاريع الطائرات الفاشلة من كل من الشركتين، فالفشل الأهم في الفترة الحديثة هو طائرة Airbus A380 دون شك.

لم يبدأ تصنيع طائرات A380 في الواقع حتى عام 2003، ولم تشهد رحلتها التجارية الأولى حتى عام 2007، أي أن هذه العائلة من الطائرات حديثة العهد نسبياً. حيث صممت شركة Airbus الطائرة مع غاية أساسية هي تغيير عالم الطيران بشكل كامل بتقديم طائرة عملاقة تتسع لأكثر من 520 راكب في الحالة العادية، ومن الممكن أن تتسع لأكثر من 850 راكباً في بعض التوزيعات. وللمقارنة هذا الرقم أكبر بوضوح من طائرات Boeing 747 المعروفة بضخامتها والتي عادة ما تتسع لـ 360 راكباً.


أداة مشاركة الملفات.
استخدم هذا الرابط المجاني البسيط لمشاركة الملفات مع الجميع حول العالم. لا حاجة للتثبيت. لحمايتك من السلوك الضار للتطبيقات المثبتة. ما عليك سوى تحميل ملفاتك وإرسال الرابط إلى الأشخاص الذين تريد مشاركة ملفاتك معهم. يمكنك مشاركة هذه الصفحة لدعمنا في تقديم المزيد من الخدمات المجانية لك. شكرًا لك!
صورة زر مشاركة الفيسبوك   صورة زر مشاركة واتس اب.  

بحلول عام 2021 سيتوقف إنتاج طائرات Airbus A380 بشكل كامل، لتكون بذلك من أقصر الطائرات حياةً في الواقع، إذ أن سلاسل الطائرات عادة ما تستمر لعقود قبل أن يلغى تطويرها، وبالنسبة لطائرة مثل A380 كلف تطويرها حوالي 25 مليار دولار أمريكي يبدو أنها ستموت بوقت أبكر بكثير من اللازم، وهنا سنحاول مناقشة الأسباب التي قادت إلى هذه المسيرة القصيرة لأكبر طائرة ركاب في التاريخ.

مقارنة لحجم طائرة A380 العملاقة مع طائرة Boeing 737 المتوسطة.

فشل المبيعات وتخفيض الطلبات

عام 2000 أجرت شركة Airbus دراسة لواقع النقل الجوي العالمي مع غاية معتادة: معرفة حجم الطلب على الطائرات الحالية أو الممكنة مستقبلاً لتخطيط المشاريع التالية تبعاً لذلك. ووفقاً لما جمعته الشركة حينها تم تقدير أن سوق الطائرات سيتطلب أكثر من 1250 طائرة عملاقة بسعات أكبر من 400 راكب على مدار العقدين التاليين. وبناءً على كون الطائرات من الممكن أن تستمر لعقود طويلة (طائرات 747 بدأت منذ الستينيات ولا تزال تصنع حتى اليوم) فقد كان المجال يبدو مفتوحاً لـ Airbus لتصنع طائرات تلبي الطلب الموجود قبل المنافسين.

لسوء حظ الشركة، لم تكن التوقعات دقيقة حقاً، حيث أن الطائرة التي بات عمرها يتجاوز 17 عاماً اليوم لم تحقق سوى جزء صغير مما هو متوقع فقط. إذ صنعت 242 طائرة فقط حتى نهاية عام 2019، وحتى الخطوط الجوية الأكثر استخداماً للطائرة مثل طيران الإمارات (التي احتلت وحدها أكثر من نصف الطلبات سابقاً) أبدت عدم اهتمامها بالطائرة وقلصت طلباتها بشكل كبير حتى قبل وباء كوفيد-19 وما تبعه من انهيار لقطاع النقل الجوي.

عندما أجرت شركة Airbus دراستها للسوق، قد يكون التوقع بأن المجال مفتوح ومغرٍ للطائرات العملاقة، لكن وعلى مدى السنوات التالية تغير السوق بشكل كبير ومعاكس تماماً لما تصنعه الشركة.



بالطبع من المهم تذكر أن اتجاه Airbus للطائرات العملاقة كان يمتلك الكثير من العوامل لصالحه، ولعل أهمها الاقتصادية، فالطائرات الأكبر تصرف كمية وقود أقل لكل راكب، وبالنسبة للخطوط الجوية هذا الأمر مهم جداً كونه يساعد في تحسين هامش الربح الخاص بها.

فكرة مركز التوزيع مقابل الطيران المباشر

عند اتباع نموذج المركز عادة ما يكون هناك العديد من المطارات التي توجه جميع رحلاتها تقريباً باتجاه مركز موحد، وفي عدد قليل من المدن توجد مطارات عملاقة تتولى وصل الرحلات وتنظيم الركاب إلى طائرات جديدة حسب وجهاتهم، وتظهر هذه المراكز بوضوح على الخريطة.

في حال كنت تقوم برحلات جوية بشكل دوري، فالأرجح أنك تعرف جيداً كون الرحلات بين الوجهات ليست متشابهة دائماً في الواقع. إذ أن هناك الرحلات المباشرة بين مطارين عادة، وبالمقابل هناك الرحلات المتقطعة التي تتم على عدة دفعات، فبدلاً من السفر من مدينة دبي في الإمارات إلى سيدني في أستراليا دفعة واحدة، من الممكن أن يكون المسار من دبي إلى نيو دلهي، ومن ثم إلى سنغافورة، وبعدها أخيراً إلى سيدني.

اليوم بات الجميع مدركاً لكون الرحلات المباشرة أفضل دائماً ولو كلفت المزيد من المال، فالانتظار الطويل في المطارات والحاجة للانتقال من طائرة لأخرى ليست أموراً محبوبة للمسافرين، لكن في مطلع الألفية كان الفكر المسيطر مختلفاً للغاية، وكانت فكرة الرحلات المتقطعة تبدو مغرية أكثر بكثير من اليوم.

فكرة مراكز التوزيع بسيطة للغاية: بدل تسيير الرحلات بين مدن صغيرة، يتم جمع المسافرين من أماكن انطلاقهم في المدن والمطارات الصغيرة إلى مركز تجميع هو مطار عملاق، ومن ثم يوجه المسافرون عبر طائرات عملاقة إلى مركز توزيع آخر، وهناك يغيرون الطائرة مجدداً ليسافروا إلى وجهاتهم النهائية.

على سبيل المثال إن كان المسافر يريد الانطلاق من مدينة القاهرة إلى العاصمة اليابانية طوكيو فهو لا يسافر دفعة واحدة، بل تكون رحلته على الشكل التالي:

  • طائرة صغيرة أو متوسطة من القاهرة إلى دبي.
  • طائرة عملاقة من دبي إلى طوكيو (نظراً لكون هذا المسار نشطاً عادة).
  • طائرة صغيرة أو متوسطة في حال كانت وجهة المسافر مدينة أخرى ضمن اليابان وليس العاصمة طوكيو.

لعقود من الزمن كانت هذه الطريقة من الطيران هي المفضلة لدى الخطوط الجوية، فهي تتيح استخدام الطائرات الأكبر وتوفير الوقود من جهة، كما أنها تعني أن الرحلات تتم بين مطارات كبيرة ومن السهل ملء الطائرات بينها كونها خطوط مع طلب كبير عليها على عكس محاولة ملء الطائرات بين وجهات أقل طلباً مثل الرياض – باريس أو العكس.



بالنسبة لوقت تطويرها كانت طائرات Airbus A380 مثالية لحاجة السوق المرصودة، لكن مطلع الألفية كان مركز تحول هام جداً في عالم الطيران، إذ بدأ المجال بأكمله لاعتماد الطائرات الأصغر نسبياً. بالطبع لا يمكن وصف طائرة مثل Boeing 737-Max أو Airbus A320neo بأنها صغيرة حقاً، فهي طائرات متوسطة تعتبر صغيرة مقارنة بالعمالقة مثل A380 فقط.

المثير للاهتمام هو أن الطائرات المتوسطة والتي تستخدم محركين فقط بدلاً من 4 باتت أكثر توفيرية من حيث صرف الوقود، ومع أنها لا تزال أكثر صرفاً للراكب من نظيرتها العملاقة، فهي قريبة كفاية ليكون الفرق قابلاً للتجاهل من شركات الخطوط الجوية مقابل الميزات الأخرى التي تقدمها الطائرات المتوسطة.

المميز في الطائرات المتوسطة هو أنها “مرنة” أكثر من حيث قابلية الاستخدام، فهي أسهل للملء من نظيرتها العملاقة وبالأخص في المسارات الأقل شعبية أو في الأوقات التي ينخفض الطلب فيها على رحلات الطيران مثلاً (في معظم أجزاء العالم يكون الطلب على طيران متغيراً طوال العام مع فترات ذروة وحضيض متناوبة).

اليوم لا يزال مبدأ مركز التوزيع والمطارات العملاقة فعالاً بشكل جزئي، لكن من الواضح أن معظم الخطوط الجوية العالمية تنأى عنه، وبدلاً من الاستمرار بطلب الطائرات العملاقة بدأ الاهتمام يتركز على المتوسطة بدلاً منها، وبالنتيجة فقد كانت نهاية طائرة Airbus A380 محتومة، وحتى أن طائرات Boeing 747 الأصغر (لكنها لا تزال عملاقة دون شك) تبدو قريبة من نهاية تصنيعها وفق البيانات الأخيرة.



نقطة أخيرة: هناك عامل عادة ما يربط بسبب فشل طائرات Airbus A380، وهو أن عدد المطارات التي تستطيع التعامل مع هذه الطائرة العملاقة محدود للغاية ولا تتجاوز بضعة عشرات فقط. هذا الأمر كان عائقاً امام انتشار الطائرة لكنه ليس سبباً أساسياً حقاً، فالطائرات الكبيرة السابقة مثل Boeing 747 عانت من الأمر في البداية، لكن تفضيلها من الخطوط الجوية دفع إدارات المطارات لتطوير معداتها لتتمكن من التعامل معها.