في مثل هذا اليوم.. سنرمي فرنسا كما أرمي عصاي هذه

في مثل هذا اليوم.. سنرمي فرنسا كما أرمي عصاي هذه

تسلّم محمّد المقراني الحكم بعد وفاة والده "باشا آغا" كقائد لمنطقة مجانة بولاية برج بوعريريج، وبعد مدّة من العمل تحت السلطات الفرنسيّة كان محمّد يجهّز لحدث ما! استعدادات مكثّفة نجح في إبعادها عن أعين المستعمر، ثمّ وفي مارس من العام 1871 قدّم محمّد المقراني استقالته إلى فرنسا، وفي ماي زحف بجيش هائل على مدينة البرج، وقبل الزّحم جمع محمّد الأهالي ورمى عصاه من يده أمام الجموع الغفيرة في منطقة مجانة، ثمّ قال: "سنرمي فرنسا كما أرمي عصاي هذه!"



وسبب ذلك أنّ فرنسا تركت المنطقة لمصيرها بعد مجاعة1867 و1868 التي أودت بحياة آلاف الجزائريّين، ثمّ قرّر محمّد أن لا بديل عن الحرب مهما كانت موازين القوى حين دخلت الحملات التنصيريّة إلى الجهة وجرت مقايضة اعتبرها محمّد موجبة للثورة، كانت تلك مبادلة التنصّر مقابل الغذاء، وتحت فزّاعة الموت والجوع تمكّنت الحملات التنصيريّة من أخذ الكثير من الأطفال من عائلاتهم بحجّة إطعامهم وإنقاذهم من الموت، وفهمت غرفة القيادة التي شكّلها محمّد أنّ المجاعة أو ترك النّاس لمصيرهم كان بتنسيق مع الحملات التنصيريّة! حينها لم يكن بدّا من إعلان الجهاد.

نجح محمّد في إقناع الزّوايا المنشرة في منطقة القبائل بحتمية الجهاد ولاقى استجابة هائلة أفزعت فرنسا حيث تمكّنت الزّوايا وخاصّة أتباع الشّيخ الحدّاد من تجنيد ما يقارب 120 ألف من المجاهدين، جاء ذلك بعد أن تناقلت الزّوايا المنتشرة في المنطقة أنّ الشّيخ الحدّاد حسم أمره وأعلن الجهاد. وحققت الثروة انتصارات غير مسبوقة ووصلت إلى نقاط متقدّمة وحاصرت وحدات الجيش الفرنسي، وسرعان ما اشتعلت الثورة وعمّت حيث وصلت إلى مليانة وشرشال، وجيجل والقل، والحضنة والمسيلة وبوسعادة، ومنطقة التيطري العذاورة وسور الغزلان، وتوقرت وبسكرة وباتنة وعين صالح.

بدا وكأنّ الجزائر تستعد إلى ثورة عارمة ستغطي ترابها المترامي، لاح وكأنّنا أمام نوفمبر متقدّم عن نوفمبر الحاسم بعقود.. وبينما الكلّ يحلم والكلّ يأمل والكلّ يمنّي والثورة تتمدّد إذْ بالعدو ينجح في اقتناص القائد المجاهد الشّيخ المقران ليرتقي البطل في وادي سوفلات قرب عين بسامفي وذلك يوم 05 ماي 1871.



بعد استشهاد محمّد اجتمع اليأس مع الخلاف مع تشتّت الصّفوف، فانهارت المقاومة، وفرضت فرنسا غرامات قاسية على الزّوايا والقبائل التي حملت لواء الثورة بلغت قيمتها 26844220 فرنك بالإضافة إلى تجريد القبائل من أسلحتها منها 6365 بندقيّة و1239 مسدس و1826 سيف وثلاثة مدافع. كما أقيمت المحاكمات العسكريّة وتمّت مصادرة أراضي المجاهديّة وتوزيعها على المستوطنين. وبعد مصادرة الأراضي تحوّلت 33 قبيلة من مالكة للأراضي إلى أجيرة. خلّفت ثورة المقراني قرابة 100.000 شهيد جزائري.

قامت فرنسا بتفكيك أسرة المقراني وتشريدها حتى لا تنسج على منوال الأبّ حيث أخذوا ابنه الشّريف إلى أحد أقربائه ببوسعادة أمّا البنات فاطمة وزينب ومنه فقد هربن مع حوالي 150 من أسر المجاهدين إلى الجنوب التونسي عبر توغورت ثمّ وادي سوف وصولا إلى الجريد التونسي أين استقرّوا هناك وبعضهم انتقل إلى مدينة قفصة أين يوجد أحفادهم إلى يومنا هذا.

ثمّ ماذا؟ هل توقّفت المقاومة حتى الفاتح من نوفمبر 1954؟

أبدا.. أبدا.. ففي نفس العام الذي انتكست فيه ثورة المقراني قامت فيه ثورة جيجل والشّمال القسنطيني، ثمّ حلّت ثورة الشّيخ بوعمامة متزامنة مع ثورة الطوارق، ثمّ ثورة الحليميّة.. والحبل على الجرار والمشعل يوقد المشعل.. إلى أن قالها الرّائع أيقونة كلّ العصور نوّارة ميلة وشامتها الخالدة محمّد العربي بن مهيدي "ألقوا بالثورة إلى الشّارع يحتضنها الشّعب" واحتضنها الشّعب.. فصدق بن مهيدي وكذبت فرنسا.