د. شاكر الحوكي: لكل أولائك.. انا أكتب..

د. شاكر الحوكي: لكل أولائك.. انا أكتب..

في هذه الأوقات العصيبة التي يمرّ بها وطني.. وفي هذا الصمت المطبق الذي يخيّم على المكان..

أكتب للمستقبل.. أكتب للأجيال القادمة..

أكتب للذين ولدوا للتوّ والذين لم يولدوا بعد..

أكتب لضمير الكون.. للأرواح النقية.. للأنفس الصادقة.. للشرفاء وأهل النبل والصمود والأنفة وعلوّ الهمة.. للثوّار والأحرار والصامدين..



أكتب لأبي الذي علمني شموخ النفس، ولجدّي وجدّ جدي القادمين من جبال الأوراس والفارّين من سهول الأندلس..

أكتب لأساتذتي وأصدقائي وأحبتي، لإخوتي في الله والدين والوطن والانسانية.. لرفاق الدرب والحياة والنضال والمجد وسموّ الروح.. لطلبتي في المدارس والجامعات.. لكل الذين استمعوا يوما إلى مداخلاتي ومحاضراتي وتابعوا دروسي وتدويناتي قبل الهجر الأخير..

أكتب لكل من مرّ بحياتي لحظة.. لكل من تعلم منّي شيئا.. لكل من صدّقني فيما أقول..

أكتب لأقول لهم.. بأعلى صوت مكلوم ينبع من أعماق الأعماق.. بكل جوارحي التي لا تعرف الكذب ولا الخداع.. بكل ما في وجداني من صدق:

أنا ضدّ الانقلاب، ضدّ الجهل والغوغاء، ضدّ الاستبداد والفساد، ضدّ الانتهازية والخوف والجبن، ضدّ التوحش والبذاءة والحشود.. ولست اخشى في الحق لومة لائم.

فأنا لست معنيا بإرضاء أحد أو الخوف من أحد أو مجاملة أحد.. أولئك الذين لم يقرأوا في حياتهم كتابا واحدا ولا رواية ولا قصيدة، ولا استطاعوا التزام الصفوف.. ولم يستحقّوا يوما الاحترام.. أولائك الذين لم يسافروا إلى النور، ولم يهجروا القاع، ولم يحرّكوا معاولهم ضدّ تكلّس الذهن وبؤس الإعجاب بالذات والغرور والعجز عن استيعاب دروس الحياة..



وأنا لست معنيّا بمن اختار أن يكون عبدا أو أن يكون غبيا ساذجا تافها، أو أحمقَ يرى بعين عوراء، أو نرجسيا فاسدا، أو مغفلا معتوها، أو جاهلا بائسا، أو حسودا حاقدا مسكونا بأيديولوجيا الشرّ.. ينتظر من السماء أن تمطر ذهبا.. ومن الطين أن يتحوّل إلى معدن نفيس.. ومن الاستبداد أن يُضحيَ عدلا.. ومن الترّهات الفارغة آياتٍ تنطق بالحكمة..ومن الاشاعات أن تتحول الى حقائق...

وأنا لست معنيّا لا بمن جعل قانونَه مخالفةَ القانون حيثما ولّى.. ولا بالغشّاش والمرتشي والسّارق، ولا بمن استباح الشارع بقمامته، أو تقيّأ أعقاب سجائره في الطريق، أو بصق علب جعته في وجه الوطن: يرميها هنا وهناك، ولا يبالي..

أنا لست معنيا ببذاءة الكلمات تجري على كل لسان بلا انقطاع ولا حياء.. ولا بدروس أولائك الأشقياء الذين يتحذلقون بها بلا أدنى خجل.. أولائك الذين رفع عنهم القلم، فما عاد لرأيهم من وزن ولا قيمة ولا اثر..

وإني وإن كنت لا أدّعي في علم الغيب فلسفة.. فإني على يقين مِن أن مِن تجارب التاريخ والجغرافيا ما يساعد على كشفٌ الغيوب والأقدار.. وأن ميزان العقل لدى أولائك لا بدّ سيثوب يوما إلى رشده، ليهدّئ من غلواء الثور الهائج في داخلهم، بعد أن يكون قد استنفد الطاقة والجهد في التخلص من لوثة الحقد وعفن البؤس الساريين فيه سريان الدم في العروق.. لعلّ وعسى نتعلّم من تجرّع كلفته الباهظة ما به نتّعظ ممّا اقترفته أيدينا..

لكل أولائك.. انا أكتب..

على اني سأظلّ أتلمّس طريق الخلاص في الثورة كما عرّفتها "حنا أرندت" ورسمت لها ضوابط النجاح والفشل، وسأبقى ثابتا على دينها في الكفر بالطغيان والدكتاتورية، وبالتسلط والاستبداد، وبالفاشية والنازية.. وبالحشود والجماهير المزيفة..