إلى بدر.. بسم الله مجراها ومرساها.

إلى بدر.. بسم الله مجراها ومرساها.

قتلت قريش.. عذّبت.. جوّعت.. هجّرت.. صادرت الأموال وحرقت البيوت.. هو الظلم والقهر والحيف.. هي الحرب إذا..



هذه المرّة ستبادر المدينة، ليس للحرب وإنّما لشلّ اقتصاد العدو من خلال استهداف أمواله التي جمّعها في قافلة كبيرة هي صرّة الثروة القريشيّة، حتى أنّ أبا سفيان من خرج على رأسها في 40 من الحرس المختصّ في حراسة القوافل.

ثمّ وفي الثاني عشر من رمضان أعطى الرسول صلّى الله عليه وسلّم الأمر بالتحرّك..

حين تلقي نظرة على الجيش وتركيبته تهبّ عليك رياح النّصر ورياح الفخر ورياح المجد.. صورة ولا في الأحلام! صورة بديعة مرصّعة بإشارات النّصر المؤزّر، دعنا نفصّل خارطة الجيش ثمّ بعد ذلك ستدرك أسباب التفاؤل التي تغمرني..

أوّل مبادرة كانت تقسيم الجيش إلى كتيبتين مهاجرين وأنصار.. ستقول لماذا؟ سأذكّرك بقوله تعالى {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}. ثمّ من للواء أوّل معركة في تاريخ الإسلام؟ من سيحمل لوائها ليخلّد التاريخ اسمه؟ ومن غيره يا سادة؟ من غيره، فتى مكّة المدلل "والله إنّها لتهزّني عاطفة عجيبة تجاه أوّل سفير في تاريخ دعوتنا ".. إذًا هذا مصعب بن عمير قائد لواء الجيش، والراية بيضاء خفّاقة كما دوما، وهذا عليّ يحمل علم المهاجرين بينما حمل سعد بن معاذ علم الأنصار، لدي رغبة جامحة في التوقّف عند بن معاذ أشهد الله أنّي أحبّه، لكن الركب يستعجلني، سأمضي مع الجيش وسأعود لك يوما يا سيّد الأوس يا وجه السعد يا طالع الخير.



فارسين فقط في جيش كامل، أمّا الزبير بن العوّام تعرفونه زوج ذات النطاقين ووالد عبد الله وحواريي رسول الله وأحد المبشّرين بالجنّة! تـــيْ زبير اُحد ألا تذكرونه ؟ عجبا! زبير نحري دون نحرك يا رسول الله.. أيْ نعم هو ذاك.. قلنا الزبير على ميمنة الجيش والمقداد بن الأسود على الميسرة.. كيف؟! أتسأل من هو المقداد؟ّ!!! كيف من هو المقداد! ابن عمرو شهر بن الأسود، المقداد يا رجل! سابع من أسلم، دخل قديما إلى دار الأرقم، صاحب الهجرتين الحبشة والمدينة، المقداد فارس الإسلام الذي شارك في كلّ الغزوات بلا استثناء وشارك في فتح مصر والشّام.

الآن إلى أبناء جهينة، بسبس بن عمرو الجهنيّ، وعديّ بن أبي الزغباء الجهنيّ ، طليعة الاستكشاف، ذهبا وعادا بأخبار القافلة، في المقابل علم أبو سفيان بأمر الجيش ، فأرسل يستنجد قريش، في الأثناء عوّل على دهائها، ناور وجنح بالقافلة بعيدا فأفلتت، سمعت قريش بإفلات القافلة، أصرّ عتبة على العودة وأصرّ أبو جهل على المضي، اعتقدوا أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم سيرجع، لكن أبو جهل أصرّ على الإقامة لثلاث في بدر ينحرون وترقص القينات ويشربون حتى تعلم العرب من هي قريش.

أفلتت القافلة ولم يعد من خيار غير العودة .. أو! أو ماذا؟! أو القتال.. هناك وقف الحبيب وقال أشيروا عليّ أيّها النّاس، تكلّم الصدّيق، فأعاد أشيروا عليّ أيّها النّاس، تكلّم الفاروق فأعاد أشيروا عليّ أيّها النّاس، تكلّم المقداد.. ثمّ فطن سعد بن معاذ فقال "والله، لكأنّك تريدنا يا رسول الله؟ قال : "أجل"، قال سعد : فقد آمنّا بك، فصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحقّ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضِ يا رسول الله لما أردت فو الذي بعثك بالحقّ لو استعرضت بنا هذا البحر فخضّته لخضناه معك، ما تخلّف منّا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوًّا غدًا إنّا لصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ في اللقاء، ولعلّ الله يريك منّا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله ".. هل عرفتم الآن لماذا قال الصّادق المصدوق " لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار" ولما قال ربّ العزّة {والذين تبوؤا الدّار والإيمان من قبلهم يحبّون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة ممّا أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون}.

وصل الجيش إلى بدر في السادس عشر من رمضان.. أخذ النّبي بمقترح الحباب ابن المنذر حول آبار بدر واقترح سعد بن معاذ بناء مقرّ للقيادة، وتحدّث سعد مع نفر من الأنصار على خطّة لتأمين انسحاب النّبي إلى المدينة إذا اجتاحهم العدو، وكانت تقتضي الاستماتة في القتال حتى يتم إجلاء النّبي، هذا إذا انكسرت شوكة جيش المسلمين أمام جيش يفوقه بأكثر من ثلاثة أضعاف، يكفي القول أنّ فارسين من المسلمين يقابلهم 70 فارسا من قريش.

لن نطنب في وصف ليلة المعركة فقد أوجزها القرآن {إِذ يُغَشّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطانِ وَلِيَربِطَ عَلى قُلوبِكُم وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقدامَ} خلاص ليس بعد وصف القرآن من وصف، نزلت الأمطار في آخر الليل، شيء من النعاس ثمّ انتبه الكلّ، ومع خيوط الفجر كانت الصفوف قد استوت للجهاد مثلما استوت قبل قليل للصلاة.



أوّل التحام كان بين الأسود بن عبد الأسد وحمزة بن عبد المطّلب، كان ذلك حين أصرّ الأسود على تجاوز خطوط المسلمين والشرب من الحوض عنادا، اشتبك معه حمزة ولم يمهله... ثمّ طلب سادة قريش النزال فخرج لهم أولاد العفراء، معاذ، ومعوذ، وعوف، رفض كبار قريش المبارزة وطالبوا بالنظراء، كان قصدهم واضحا، لذلك ودون تأخير، خرج ثلاثي بني عبد المطّلب لمواجهة ثلاثي بني ربيعة.. فكان الذي رواه التاريخ، ولمّا سدّد المسلمون ضربتهم المعنويّة الأولى بإسقاط رؤوس قريش، التفت الحبيب إلى جنوده وقال قولته المشهورة "قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ" فقاموا ولم يقعدوا حتى فرغوا من عدوّهم ومنحوا لهذا الدّين شوكته ومنحونا فخر الانتماء... انتصار وصفه القرآن بقوّة وجمال {وَما رَمَيتَ إِذ رَمَيتَ وَلـكِنَّ اللَّـهَ رَمى}. ثمّ زادنا القرآن لذّة حين وصف بدر بيوم الفرقان {يَومَ الفُرقانِ يَومَ التَقَى الجَمعانِ}، وختمت آل عمران المشهد بأعذب ما يكون {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلّة فاتقوا الله لعلّكم تشكرون}.كان ذلك في أجمل سابع عشر من رمضان أشرقت عليه الشمس.. لقد انتصرنا والحمد لله.... رحم الله شهداء الميدان، شهداء الإسلام.. من المهاجرين:

* عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب قتله عتبة بن ربيعة.
* عمير بن أبي وقّاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة.
* ذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة.
* عاقل بن البكير.
* مهجع مولى عمر بن الخطّاب.
* صفوان ابن بيضاء.
من الأنصار:
* سعد بن خيثمة.
* مبشر بن عبد المنذر بن زنبر.
* يزيد بن الحارث ، وهو الذي يقال له ابن فسحم.
* عمير بن الحمام.
* رافع بن المعلى.
* حارثة بن سراقة بن الحارث.
* عوف بن الحارث.
* ومعوذ بن الحارث

سلام عليكم، أحبّتنا وساداتنا، نلتقي على الحوض إن صدقنا ثم وإن أدركتنا رحمة الرّحمن الرّحيم.

دعونا نعود إلى معاذ، ومعوذ، وعوف أولاد عفراء، دعونا نعود إلى سعد بن معاذ سيّد الأوس ومعه كلّ بني الأشهل وسعد بن عبادة وأسيد بن خضير وقومه.. كلّ الذين ذكرتهم، بل حتى لا نطيل هل رأيتم هذا الجيش الذي على وشك صناعة مجد الأمّة ؟ أكثر من شطر هذا الجيش أسلم على يد مصعب بن عمير شُهر أبو عبد الله ابن فاطمة العامرية وزوج الصحابيّة حمنة الأسديّة.