تقنية جديدة ترصد مشاعرنا

تقنية جديدة ترصد مشاعرنا

تعكس تعبيرات وجوهنا ونبرة كلامنا المشاعر والأحاسيس التي تختلج في صدورنا من حزنٍ أوفرحٍ أو غضبٍ أو صفاء. تلك المشاعر كانت مناط بحث علماء النفس لسنين طوال، ويعد بول إيكمان عالم النفس الأمريكي، أول من سن القوانين ورسم القواعد للربط بين تلك المشاعر الداخلية والانعكاسات الظاهرية على وجوهنا أو حركاتنا، حتى باتت تلك النظريات الكلاسيكية تعرف باسمه، وقسم من خلالها مشاعر الإنسان إلى ستة أقسام "الغضب والاشمئزاز والخوف والسعادة والحزن وألم فاجأة".

طوال النصف الثاني من القرن العشرين، هيمنت هذه النظرية - المشار إليها باسم النظرية الكلاسيكية للعواطف - على علم العواطف، وجعل إيكمان طريقة كشف "العاطفة" ملكية خاصة له، وبدأ في بيعها كبرنامج تدريب لوكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي والجمارك وحماية الحدود وإدارة أمن النقل.

البداية في 2001

تعتبر طالبة الدراسات العليا المصرية رنا القليوبي أول من أسس لمنهج استخدام الحواسيب في التعرف على المشاعر عام 2001 بعد انتقالها من مصر إلى جامعة كامبريدج للحصول على درجة الدكتوراه في علوم الكمبيوتر، إذ وجدت أنها تقضي وقتًا أطول مع الكمبيوتر مقارنة بالآخرين.



لقد اكتشفت أنه إذا كان بإمكانها تعليم الكمبيوتر التعرف على حالتها العاطفية والتفاعل معها، فإن وقتها الذي تقضيه بعيدًا عن العائلة والأصدقاء سيكون أقل وطأةً، وبالفعل كرست القليوبي بقية فترة دراسات الدكتوراه للعمل على هذه المشكلة، وفي النهاية طورت جهازًا يساعد الأطفال الذين يعانون من "متلازمة أسبرجر" على قراءة تعابير وجههم والاستجابة لها وأطلقت عليه "السمع العاطفي".

عام 2006، انضمت رنا إلى مختبر الحوسبة العاطفية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ثم في عام 2009، شاركت في تأسيس شركة ناشئة تسمى "Affectiva"، وهي أول شركة تسوق "الذكاء العاطفي الاصطناعي".

الحوسبة الوجدانية

بعد أن استشعرت كبرى شركات التكنولوجيا أهمية الدور الذي قد تلعبه تقنية "التعرف على المشاعر" في المستقبل، بدأت شركات ضخمة كـ"جوجل" و"مايكروسوفت" و"آبل" بالاستثمار في تلك التقنية الجديدة التي تعرف باسم "الذكاء العاطفي الاصطناعي" أو "الحوسبة الوجدانية".

ومن المتوقع أن ينمو حجم السوق العالمية في الاستثمار بهذه التقنية من 21.6 مليار دولار أمريكي عام 2019 إلى 56.0 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2024، بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) بنسبة 21.0%.

المشاعر البشرية مختلفة وهذا الاختلاف ولد تقنيات تعرف مختلفة

تعرف "الحوسبة الوجدانية" على أنها دراسة وتطوير الأنظمة والأجهزة التي يمكنها التعرف على الانفعالات البشرية وَتفسيرها ومعالجتها ومحاكاة آثارها، وهو حقل متعدد التخصصات التي تغطي علوم الحاسوب وعلم النفس والعلوم المعرفية.

أنواع تقنيات التعرف على المشاعر

المشاعر البشرية مختلفة، وهذا الاختلاف ولد تقنيات تعرف مختلفة، فقد يكون التعبير من خلال الكلام أو الوجه أو الإيماءات أو حتى تغير داخل جسم الإنسان كاضطراب نبضات القلب.

أولًا: التعرف على المشاعر من خلال النص

البيانات النصية هي عنصر بحث للشركات لتطوير تقنيات التعرف على الانفعالات، خاصةً عندما تكون مجانية ومتاحة في كل مكان في حياة الإنسان.



مقارنة بالأنواع الأخرى من البيانات، فإن تخزين البيانات النصية يكون أخف وزنًا من ناحية حجمها، ويمكن استخلاص العواطف من شكلين أساسيين للنص، من النصوص المكتوبة والمحادثات (الحوارات).

ثانيًا: التعرف على الانفعالات في الصوت

يستخدم هذا النوع الإشارات الصوتية لاستخراج العواطف من الصوت، على سبيل المثال، يصبح الكلام الناتج في حالة من الخوف أو الغضب أو الفرح سريعًا وعاليًا ومعلنًا بدقة، في حين أن العواطف مثل التعب أو الملل أو الحزن تميل إلى الصوت البطيء أو النبرة المنخفضة.

ثالثًا: التعرف على الانفعالات في الفيديو

بيانات الفيديو هي مزيج من البيانات الصوتية وبيانات الصور وأحيانًا النصوص، لذلك، تكون نتائج التعرف على الانفعالات في الفيديو أفضل بشكل عام من مجالات التعرف الأخرى نظرًا لوجود ميزات أكثر في عملية الكشف.

رابعًا: التعرف على الإيماءات

يمكن استخدام الإيماءات بكفاءة كوسيلة للكشف عن حالة عاطفية معينة للمستخدم، خاصة عند استخدامها جنبًا إلى جنب مع التعرف على الكلام والوجه، مثل رفع كتفيك عندما لا تعرف إجابة السؤال، أو قد تكون معقدة وذات مغزى كما هو الحال عند التواصل بلغة الإشارة.

المراقبة الفسيولوجية

يمكن استخدام هذا لكشف الحالة العاطفية للمستخدم من خلال مراقبة وتحليل علاماته الفسيولوجية. تتراوح هذه العلامات من التغيرات في معدل ضربات القلب إلى انبساط أو انكماش الجلد إلى تقلصات دقيقة لعضلات الوجه والتغيرات في تدفق الدم في الوجه.

كيف تعمل تقنية التعرف على الانفعالات؟



البشر مخلوقات معقدة تمر بمجموعة واسعة من المشاعر طوال اليوم، فما نشعر به في وقت معين يؤثر على كل ما نقوم به، عندما نشعر بالسعادة، فإننا نميل إلى أن نكون أكثر انفتاحًا وإدماجًا، وعندما نكون حزانى، نتصرف بطريقة أكثر انسحابًا وعزلة.

تعمل تقنية التعرف على الانفعالات بنفس الطريقة تقريبًا، حيث يتم تدريب برامج الذكاء الاصطناعي من خلال تحليل سلسلة واسعة من التعبيرات المرتبطة بالعاطفة.

في البدء تلتقط الكاميرا صورة متحركة للميزات على الوجه مثل العين والحواجب والشفاه لكشف التغييرات في تعبيرات الوجه، ثم ننشئ خوارزمية يمكنها التنبؤ بما يعنيه تعبير الوجه من خلال تحليل تعابير الوجه وحركة العضلات المرتبطة بالعواطف المختلفة.

الكاميرات موجودة منذ أكثر من 100 عام، ولكنها مقترنة الآن بالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، ويمكنها معالجة الصور في بيانات لتحليل مفصل للغاية.

تقنية مهمة أخرى هي الخدمة السحابية، ويجب أن يعتمد النظام على كمبيوتر قوي، لكن لحسن الحظ، تسمح الخدمة السحابية بالاستفادة من قوة المعالجة لأجهزة الكمبيوتر القوية المتصلة بها.



كما عززت سرعة شبكات الإنترنت من سرعة نقل المعلومات بين الحواسيب فيما بينها، خلال أجزاء من الثانية يتم تفسير تعابير الوجه ونقل المعلومة لمكان آخر.

عيوب ومخاوف

إن التقنية الجديدة حالها حال أي تقنية مستحدثة لا تخلو من عيوب، كما أن لها معارضين، حيث وجد الباحثون في جامعة "جنوب كاليفورنيا" أن تقنية التعرف على الوجه من السهل خداعها أيضًا.

تربط الحواسيب تلقائيًا بعض تعابير الوجه بمشاعر معينة، لكنها تفشل في التمييز، على سبيل المثال تخطئ الخوارزميات بالتفريق بين الابتسامات الخبيثة أو الشريرة من تلك الأصيلة.

في تقريره السنوي، دعا معهد AI Now، وهو مركز أبحاث متعدد التخصصات يدرس الآثار المجتمعية للذكاء الاصطناعي، إلى حظر التكنولوجيا المصممة للتعرف على عواطف الناس في حالات معينة، على وجه التحديد، قال الباحثون: "لا ينبغي استخدام هذه التقنية في القرارات التي تؤثر على حياة الناس وإمكانية الوصول إلى الفرص، مثل قرارات التوظيف، لأنها ليست دقيقة بما فيه الكفاية ويمكن أن تؤدي إلى قرارات متحيزة".



كذلك غالبًا ما تحتوي هذه الأنواع من الأنظمة على عيوب "عنصرية"، على سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات أن خوارزميات التعرف على الوجه صنفت وجوه السود على أنها أكثر غضبًا من الوجوه البيضاء، حتى عندما كانوا يبتسمون.