اجورا

اجورا

يعتبرالفيلم الاسباني التاريخي "اجورا" تأريخ لحقبة في تاريخ الإسكندرية القديمة في نهاية القرن الرابع الميلادي وبداية القرن الخامس الميلادي، تاريخ بقدر عظمته بقدر الجرائم التي ارتكبت فيه باسم الدين.



الفيلم الاسباني Agora إنتاج 2009، فيلم تاريخي لا يتعلق بمذهب أو عقيدة أو نقد لأي من الكتب المقدسة كما إدّعُوا.

يروي الفيلم حياة الفيلسوفة الشابة "هيباتيا" في فترة شبابها وشغفها بالفلسفة والرياضيات، واهتمامها بقانون الجاذبية الأرضية.. كانت هيباتيا ابنة ثيون احد علماء الرياضيات المعروفين، والمنتمين إلى مدرسة الإسكندرية واحد المقيمين بشكل كامل داخل مكتبة الإسكندرية. وقد حاول مع ابنته الحفاظ على بعض المخطوطات الهامة بتهريبها حين قام المتشددون بالهجوم على المكتبة وحرقها في محاولة لهدم التماثيل التاريخية والمخطوطات بعد أن أقنعهم الكهنة بأنها أشياء وثنية وتعوق إيمانهم . وهو نفس ما فعلوه بعد ذلك بهيباتيا الفيلسوفة الوثنية التي اعتبروا كلامها هرطقة تستحق عليها القتل رجما بالحجارة.



لم تشفع لهيباتيا أعمالها وفلسفتها أو شهرتها وتدريسها لأبناء الإسكندرية والوافدين من خارجها، لم يشفع نداءها المستمر "نحن أخوة.. لا للعنف بين الأخوة"، ولم تشفع لها الإنسانية بأن يروا فيها إنسانة لها حق الحياة كما تشاء، تفكر وتتكلم وتتعلم كيفما تريد... حتى أن أنوثتها في حد ذاتها لم تشفع لها أمام التطرف الديني الأعمى، فكان موتها مأسويا بكل معنى الكلمة...

فيلم اجورا Agora وهي كلمة يونانية معناها "الساحة" التي كان يجتمع فيها المثقفون والشعراء والعلماء في أثينا القديمة أو في الإسكندرية في زمن الإمبراطورية الرومانية، والتسلط باسم الدين ، وإقناعهم بأن ما يصدر عن الكهنة لا جدال فيه حتى وان كان خاطئاً.

هيباتيا التي اعتبرها في العصور اللاحقة بعض المؤلّفين المسيحيين رمزًا للفضيلة دفعت حياتها لأنها لم تستطيع أن تؤمن بما آمنوا به الكهنة الذين جردوها من إنسانيتها حين جردوها من ملابسها وقاموا بر..جمها حتى الموت. لم تدعي الإيمان لتحافظ على حياتها أو منصبها أو مكانتها وإنما عاشت وماتت كما تريد. لم يُخيفها الموت لأنها آمنت أولا بالإنسان وعاشت حياتها في سبيل اكتشاف ما يخدم الإنسان. كانت عاكفة مع أبيها طوال حياتها على اكتشاف ما يخدم أخوتها البشر، وبموتها انتهى عصر الفلسفة المصرية اليونانية.

يعتبر فيلم "أجورا" الأول في تاريخ السينما العالمية الذي يتناول شخصية العالمة المصرية "هيباتيا"، وقد تم تصوير الفيلم في جزيرة مالطا، حيث أقيمت ديكورات غاية في الروعة لمدينة الإسكندرية القديمة التي كانت العاصمة الثانية للإمبراطورية الرومانية في تلك الفترة، بمنارتها الشهيرة، ومكتبتها العريقة التي تعتبر مهد المكتبات في العالم.



من أروع الأشياء في الفيلم بجانب السيناريو والديكور، قدرة المخرج على إخراج مشاهد عديدة بها آلاف من الجموع، والتحكم في حركتها كملحمة لمعارك حقيقية وبالأخص في الثلث الأخير من الفيلم عند اقتحام المتشددين لمكتبة الإسكندرية في مشاهد فيها أعلى درجات التصوير والإضاءة التي أبرزت الديكور بشكل غاية في الجمال ليُعبر عن تلك الفترة التاريخية بكثير من المصداقية. كما أن إبداع الممثلين جميعا وخاصة بطلة الفيلم راشيل وايز التي جسدت دور هيباتيا ببساطتها ورقتها قد أثرى الفيلم الذي أخرجه اليخاندرو امينبار ليجعل منه فيلم تاريخي يُسجل في السينما الاسبانية والعالمية بجدارة.

يقدم الفيلم تاريخاً للصراع بين الدين والفكر لا ينبغي أن يكون. فليس هناك ما يبرر الإرهاب والتطرف الديني نتيجة تفسير بعض رجال الدين آيات من الكتب المقدسة بشكل خاطئ ومطالبة عامة الشعب بتطبيقها حرفياً دون تفكير. وقد قدم المخرج الاسباني اليخاندرو امينبار جزء من التاريخ، لا ينبغي أن نتجاهله أو ننكره،

ان قصة حياة العالمة والفيلسوفة " هيباتيا "هو جزء من الصراع الازلي بين التحجر باسم الدين وحرية الفكر والابداع صراع قادته دائماً اصحاب المصالح...والقداسة.