عمر الأقطع صاحب اليد المقطوعة

عمر الأقطع صاحب اليد المقطوعة

هو عمر بن عبيد الله بن مروان السُلمي ، الشهير بإسم عمر الأقطع وذلك لأنه كان بيد واحدة نتيجة قطع إحدى يديه في إحدى المعارك ، ولد في حوالي عام 790م في الجزيرة الفراتية وهو ينتمي لقبيلة بني سليم العربية ، وكانت قبيلة بنو سليم من أهم القبائل المسؤولة عن حماية الثغور في الأناضول من زمن الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور والذي منحها هذه المهمة.

في عام 800 م إنتقل إلى مدينة ملطية والتي كانت عاصمة ولاية ملطية في الأناضول ، وذلك بعد أن قام الخليفة العباسي هارون الرشيد بتعيين والده القائد عبيد الله السلمي واليا على الأناضول والتي كانت تسمى "ولاية ملطية" فقام والده بتدريبه وإعداده ليكون قائداً عظيما.



في عام 810م هُزم عمر الأقطع في معركة له مع البيزنطيين ، ووقع في الأسر ، فقام والده الوالي عبيد الله السُلمي بتسليم القلعة الحدودية كيماه ليُفرج عن ابنه الأسير لدى البيزنطيين ، فتم الإفراج وهذا ما أثار غضب الخليفة العباسي محمد الأمين والذي قام باستدعاء والده عبيد الله السُلمي وإقالته من منصبه لتفريطه بالقلعة ، ثم أمر بسجنه ، وهذا ما أصاب عمر الأقطع بعذاب الضمير في أنه السبب فيما حصل مع والده.

في عام 813م تولى الخليفة العباسي عبد الله المأمون الحكم وقام بالإفراج عن القائد عبيد الله السُلمي وعينه قائداً في جيوش الثغور ، ليصبح عمر الأقطع ووالده من المحاربين الدائمين في الأناضول ، وخلال هذه الفترة توفي والده ، وأصبحت علاقة عمر الأقطع ممتازة مع الأمير العباس بن المأمون والأمير المعتصم بالله ، وذلك خلال تواجدهم المتكرر في الثغور.

قطعت يده في عام 827م عندما كان أحد قادة الخليفة العباسي المأمون في حربه ضد البيزنطيين في الأناضول والتي شنها لمنع الإمبراطور البيزنطي مايكل الثاني من إنقاذ صقلية والتي دخلها القائد أسد بن الفرات ونجح في فتحها ، وقد استبسل عمر الأقطع في القتال وبقي مستمراً ومشاركاً رغم إصابته البليغة وبتر يده ، ليقوم المأمون بترقيته.

في عام 830م تم تعيين عمر الأقطع والياً على ولاية ملطية وذلك أثناء قيادة المأمون لحملة ضد البيزنطيين والتي إنتهت بإنتصار الجيش العباسي وفتح المأمون لحصن قرة وحصن ماجدة وحصن سندس وحصن سناذ ، وفي عام 831 م أتت للمأمون رسالة من الإمبراطور البيزنطي توفيل العموري ، وكانت رسالة سلمية ، ولكن المأمون غضب لأن الإمبراطور البيزنطي بدأ رسالته بإسمه ثم بإسم الخليفة العباسي المأمون ، فشن المأمون حملة جديدة ففتح هرقلة وثلاثين حصناً ، وكان عمر الأقطع من قادة هذه الحرب بجانب الأمير المعتصم ويحيى بن أكثم.

في عام 838م كان أحد قادة الخليفة العباسي محمد المعتصم بالله في حربه ضد البيزنطيين والتي شنها لإنقاذ إمرأة صاحت مستنجدة "وامعتصماه" وكان عدد الجيش العباسي 90,000 مقاتل، وعندما وصل المعتصم للأناضول أمر بنقل عدد كبير من الجنود من جيش أشناس وأفشين وضمهم لجيش القائد عمر الأقطع والذي أصبح نائب المعتصم في هذه الحملة ، وقاد المعتصم معركة آيزن وفي وسط المعركة تعمد المعتصم تركها وقيادة قلب الجيش لفتح مدينة أنقرة ، وبقي عمر الأقطع يقود المعركة باقتدار ، وتم فتح مدن كثيرة في هذه الحملة وأهمها زبطرة وعمورية وتم إنقاذ الإمرأة التي إستنجدت.

في عام 844م إنتصر القائد عمر الأقطع إنتصاراً ساحقاً على البيزنطيين في معركة موروبوتاموس "النهر الأسود" وكان يقود الجيش البيزنطي القائد ثيوكتيستوس نائب الإمبراطور وتم تثبيت الحكم العباسي في كابادوكيا وأنطالوك وبوكيلاريون وأوبوسكيون ، وذلك في عهد الخليفة العباسي هارون الواثق وبعد هذه الهزيمة القاسية وقع البيزنطيون على هدنة مدتها 6 سنوات مقابل زيادة الجزية السنوية التي يدفعونها للخلافة العباسية ، وانشق عدد كبير من المسؤولين البيزنطيين والذين استخدهم عمر الأقطع كأوراق ضغط وتحكم وتهديد ضد الإمبراطور البيزنطي.



في عام 853م إنتصر القائد الأقطع على الإمبراطور البيزنطي مايكل الثالث وفتح ضورليم واسكي شهر ووصل بشكل مؤقت إلى شاطئ البوسفور ، ولكن في عام 856م نجح الجنرال البيزنطي بتروناس في إسترداد ضورليم واسكي شهر وعمل غارات على مناطق من ولاية ملطية ، وفي عام 860م إنتصر القائد عمر الأقطع على الإمبراطور البيزنطي مايكل الثالث ، ونجح في الوصول إلى البحر الأسود شمالاً ليكون أول قائد عربي ومسلم يصل لها ، وفتح مدنها وأهمها مدينة سينوب ، وكان ذلك في عهد الخليفة العباسي جعفر المتوكل.

كان إستشهاده في عام 863م بعد إنتصاره على الإمبراطور مايكل الثالث في معركة مرج الأسقف ، ونجح عمر الأقطع في توسيع حدود الدولة العباسية إلى مناطق واسعة غرب سينوب ، ولكن بعد إنتصاره وعودة أغلب قواته وبقاءه مع عدد قليل من جيشه لتنظيم واستكشاف المناطق المفتوحة ، تعرض للخيانة من أحد قادته وهو القائد نصار المردي ، كان مسيحي من قبائل المردة غرب بلاد الشام اعتنق الإسلام وترقى في الجيش ، ولكنه خان عمر الأقطع، وارتد عن الإسلام وتواصل مع البيزنطيين ، فهاجم جيشهم عمر الأقطع أثناء رحلته الاستكشافية ، وكان معه قوة صغيرة، فكان استشهاد عمر الأقطع بعمر ال 73 عاما ً قرب نهر لالاكاون شمال غرب الأناضول في يوم الجمعة 15 رجب 249 هجري الموافق في تاريخ 863/09/03م.

بعد وصول خبر مقتله إلى العراق حدثت أعمال شغب في بغداد وسامراء حيث تصادف أيضاً وصول خبر إستشهاد قائد عباسي آخر نحسبه عند الله وهو علي بن يحيى الأرمني في القوقاز ، وقام الخليفة العباسي أحمد المستعين بتعيين أبو عبد الله بن عمر الأقطع والياً على ملطية ، وبعد عقود تولى حكم ولاية ملطية أبو حفص حفيد عمر الأقطع ، وفي عهد الخليفة العباسي علي المكتفي نجح القائد أحمد بن كيغلغ في التوغل و الوصول لشرق القسطنطينية عام 906م ، وأما القائد الشهيد باذن الله عمر الأقطع فقد أصبح بطلا ً خالداً في الكتب العربية ، وأما الأتراك فقد استلهموا منه شخصية سيد بطل غازي الأسطورية وأصبح هذه هو إسم عمر الأقطع في كتبهم ، وحتى في الأدب البيزنطي تم تقديمه بصورة رائعة بشخصية الأمير أمبرون ، وسجل المسعودي بأن صور عمر الأقطع بقي البيزنطيون يعرضوها اعترافاً وتقديراً لبسالته وشجاعته.

المصادر :
1- الكامل في التاريخ ، ابن الأثير
2- البداية والنهاية ، ابن كثير
3- تاريخ الخلفاء ، السيوطي
4- الأنبا في تاريخ الخلفاء ، العمراني
5- مروج الذهب ، المسعودي