كبير أساقفة الإمبراطورية الرومانية

كبير أساقفة الإمبراطورية الرومانية

قصة ينقلها لنا الصحابي الجليل "ابي سفيان بن حرب" رضي الله عنه، ولعل الله سبحانه وتعالى أخر إسلامه لينقل للإنسانية قصة عجيبة لبطل عجيب من عظماء امة الإسلام، هذا البطل كان اقوي إنسان على وجه الارض في تلك الفترة، فقد كانت قوته التي إستمدها من منصبة الديني الرفيع تؤهلة لكي يكون أعظم من "هرقل" أعظم إمبراطور في تاريخ الإمبراطورية الرومانية الشرقية.

هذا العظيم لم يلد مثلي ومثلك مسلماً ولم يصلي لله ركعة واحدة، بل ان تاريخه في الاسلام لم يتجاوز اكثر من لحظات معدودة في عمر الزمن، وهو مع ذلك رجل سطر إسمه في سجل العظماء من أمة محمد ﷺ.



فبعد ان تم صلح الحديبية بين قريش وبين سيدنا محمد ﷺ جاء وقت اعظم مهمة ملقاة على عاتق المسلمين، الا وهى مهمة: التبليغ.

فما ان عقد النبي ﷺ صلح الحديبية حتى بعث برسله الى مختلف انحاء الارض، وكان الصحابيّ الجليل "دحية بن خليفة الكلبيّ" رضي الله عنه رسول النبي الى هرقل ملك الروم .

فذهب اليه في القدس وسلمه رسالة رسول الله:

" بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الله الى هرقل عظيم الروم :
سلام على من اتبع الهدى، اما بعد .. فإنى أدعوك بدعوى الاسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك اثم جميع الآريسيين " .

فتعجب هرقل من هذه الرسالة العجيبة التى أرسلت الى عظيم الروم من رجل لا يعرف عنه شيئاً من صحراء العرب، فاراد ان يتاكد من صحة ما جاء فيها، وكان هرقل مسيحياً متديناً يعرف ان نبياً سوف يخرج في هذا الزمان، فبعث رجالة ليجلبوا له بعض العرب ليسألهم عن هذا الرجل الذي يزعم انه رسول الله ؟!!

ويشاء الله أن يتواجد "ابو سفيان ابن حرب" ونفر من قريش للتجارة في غزة في ذلك الوقت، فجيئ بهم الى بلاط القيصر ليستفسر منهم حقيقة البعثة النبوية .

وقام هرقل باستجواب ابا سفيان عن أمر النبوة، وهل هى حقيقة ام كذب ..؟؟



ولما فرغ من سؤاله عن صفات رسوله الله ﷺ وإستدلال بذلك على صدقه، ونبوته ورسالته، قال هرقل ملك الروم لابي سفيان بكل وضوح : "فإن كان ما تقوله حق فسيملك موضع قدمى هاتين (أى الشام) وقد كنت أعلم انه خارج، ولو لم اكن أظن انه منكم (وكأنه يستكثر ان يكون من العرب)، فلو إني أعلم أخلص اليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عنه قدميه" ..!!

ثم قال لدحية بن خليفة : "ويحك ! والله أنى لاعلم ان صاحبك نبيّ مرسل، وانه الذي كنّا ننتظره ونجده في كتابنا ولكنى أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لأتبعته فاذهب الى "صغاطر" الأسقف فأذكر له أمر صاحبكم، فهو والله اعظم في الروم منى، وأجوز قولاً عندهم، فانظر ما يقول لك" .

فذهب "دحية" الى "صغاطر" كبير الاساقفة، فاخبره بما جاء به من رسول الله الى هرقل وبما يدعو اليه، فقال "صغاطر" : "صاحبك والله نبي مرسل، نعرفه بصفته، ونجده في كتبنا باسمه" .

فدخل البطل "صغاطر" فألقي ثياباً كانت عليه سوداء، ولبس ثياباً بيضاء، ثم أخذ عصاه يتوكأ بها وهالة من النور تحيط بوجهه المشرق بالايمان، فخرج على الروم وهم في الكنيسة.

فقال بصوت عالٍ:
" يا معشر الروم .. إنه قد جاءنا كتاب من أحمد يدعونا فيه الى الله عز وجل، وأنى اشهد ان لا اله الا الله وان احمد عبده ورسوله" .

فما ان فرغ البطل صغاطر من قولته تلك، حتى وثب عليه من كانوا يسجدون له من قبل، وثبة رجل واحد فضربوه حتى تحولت ثيابه البيضاء الى الحمراء من كثرة الدماء التى تدفقت كشلال متفجر من جبينه وهو يقول بصوت انهكه الضرب:

" اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان احمد رسول الله "، وظل يرددها الى ان فاضت روحه الى بارئها.



رجع "دحيه" الى هرقل، فأخبره الخبر فقال له : "قد قلت لك إنا نخافهم على أنفسنا، فصغاطر والله كان اعظم عندهم واجوز قولا مني".

فرحم الله البطل "صغاطر" واسكنه فسيح جناته وحشره مع حبيبه احمد الذى آمن به دون ان يراه .