خيال حقيقي

1984-notتدور أحداث قصتنا لعام ٢٠١٠ حيث بطلها “عربي” موظف ذو 39 عاماً من العمر يعمل موظفاً في وزارة الحقيقة أي أنه صحفي يراقبه رجال الشرطة ويراقبه جيرانه رغم أنه ليس مجرماً وليس ملاحقاً ولكن الرقابة نوع من السلوكيات اللاإرادية التي يقوم بها الجيران ضد جيرانهم لذلك يصبح “عربي” تحت عين “سعود” صديقه وعضو المؤسسة التي تراقبه عن كثب.

يميل “عربي” إلى زميلته في العمل “حنان” التي ترتدي حزاماً قرمزياً يرمز إلى عضويتها في الاتحاد ضد الجنس الآخر والقاسم المشترك بينها وبين “عربي” هو كره المؤسسة التي تمنعهما من الالتقاء أو الزواج ولكنهما يلتقيان سراً، وعندما يكتشف امرهما يٌرسلان إلى وزارة الحب التي هي نوع من مراكز التأهيل للعودة إلى حياة الوحدة دون حب الآخر ويفصل “عربي” عن “حنان”، بل يتعرض لتعذيب نفسي شديد وعبر صور مرعبة وتحت هذا الضغط الشديد يصرخ “عربي” مطالباً بمعاقبة حبيبته”حنان”.



ما يميز زمان هذه القصة هو الدور الذي تقوم به وزارة الحقيقة بواسطة كادرها الكبير حيث أنها تقوم بتغيير البيانات والمعلومات الموثقة على مدار الساعة لتتماشى مع إستراتيجية وأهداف المؤسسة و القيادة بقيادة الزعيم!. فهناك موظفون يقومون بحذف كل تلك الوعود المحرجة من الأرشيفات الصحفية، واستبدالها بتنبؤات مذهلة..

الفقرات الثلاثة الماضية هي نقل حرفي مع تعريب بعض الأسماء لتعريف “رواية ١٩٨٤” لجورج أورويل كما تنشرها الموسوعة الحرة “ويكابيديا”، و قد كان المغزى الذي دعاني لهذا النقل كما قد يكون بعضكم قد إستنتج هو مدى قرب و تطابق ذلك الوصف لما نعيشه اليوم في عالمنا العربي حيث تسيطر مؤسسات تحتكر معنى الحقيقة و تفرض نمط من الحياة على البشر بحيث تحول هذا الإنسان العاقل لمجرد رقم ضمن آله بشرية لا معنى لها و لا هدف شخصي.

عندما قرأت هذه الرواية منذ سنة تقريبا صدمتني قدرة الإنسان على إقناع الذات لمجرد الخوف من المجهول، و آلمني هذا الشعور بالعجز من الذات و التمرد على العقل و جعل العالم في عيني يتلون باللون الرمادي فلا صوت له سوى صوت السكون و النواح و لا رائحة له سوى نفحة العفن التي تلي ركود الماء و تسبق الشعور بالغثيان.



إذا ما نظرنا لعالمنا العربي اليوم بتلسكوب مكبر فإننا نرى بلاد مزقتها الطائفية بإسم الوحدة، و بلاد إستفحل فيها الفساد بإسم محاسبة المتنفذين و الإقطاعيين، و إذا ما نادينا بأن تكون لنا الحقوق الإنسانية كباقي دول العالم أسكتونا بالخصوصية و بأننا شعوب لم تجهز لكي تستحق التمتع بحقوقها، و إذا ما قلنا بأن الظلم يولد الإنفجار إتهمونا بالظلال و الخروج و اللؤم.

عالم جورج أورويل الذي إبتكره في روايته هذه كان في زمانه يعد خيالا تراجيديا و نظره تشاؤمية لواقع مستحيل الحدوث و تجلي حقيقي لإبداع روائي خلق بخياله الواسع أحداثا تنم عن روح متعبه و لكنها عبقرية، إلا أنه اليوم يعد عملا إجتماعيا وصفيا تمتزج فيه الملاحظات النفسية بالتحليلات السياسية بالتداخلات الثقافية لمجتمع قلق و متناقض لم يعد متأكد في أي إتجاه يسير أو أي طريق يجب عليه أن يسلك للوصول إلى هدف هو ذاته لم يعد يعرف أوصافه و أبعاده و سببه.

النظرة التشاؤمية لأورويل هي بكل أسف إنعكاس لعالمنا العربي اليوم حيث كل شئ حولنا يحتمل أكثر من معنى و قد لا يحتمل أي معنى، و هو العالم الذي ليس للفرد من معنى سوى بكونه رقم ضمن ملايين الأرقام و لا قيمة له إلا بقيمة الولاء للمجهول الذي يهابه أو للمسيطر الذي لا يحبه.