نخوة مشرك «المُطعِم بْنَ عَديّ»

نخوة مشرك «المُطعِم بْنَ عَديّ»

مات مشركاً ولكن لم ينس الرسول صلى الله عليه وسلم فضله يوم أجاره .. عاش في زمن النبي محمد، ولكنّه توفى ولم يعتنق الإسلام، ورغم ذلك فإن له في نفوس المسلمين احترامًا كبيرًا، لمواقفه الداعمة للمسلمين في بداية الدعوة، فقد كان زعيم الستة الذين نقضوا الصحيفة المقاطعة لبني هاشم التي كُتبت وعُلقت في الكعبة ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف حزينًا مهمومًا ، بعدما تطاولوا عليه وطردوه ، ثم أغروا به سفهاءهم فلاحقوه وهو يخرج من الطائف يسبّونه ، ويرمونه بالحجارة ، حتى أُدميت قدماه.

ولم يستطع أن يدخل مكة كما غادرها، بعد ان عزمت قريش على منعه من العودة إلى مكة، حتى لا يجد مكانا يؤيه، أو أناسا يحمونه.

فقال له زيد: كيف تدخل عليهم يارسول الله وقد أخرجوك..؟



قال: يا زيد ، إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا.

ثم بعث رجلاً إلى المُطْعَم بن عدي يحمل رسالة مفادها ان محمدا يطلب ان يدخل بجوارك فهل تجيره؟

وهنا تحركت الغيرة في دم المطعم بن عدي ، ونخوة العرب، وشهامة العربي،

فقال: نعم،

ودعا بنيه وقومه، وقال: البسوا السلاح، وكونوا عند أركان البيت الحرام ، فإني قد أجرتُ محمداً.

فدخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة آمناً حتى انتهى إلى المسجد الحرام.

فقام المطعم على راحلته، فنادى: يا معشر قريش: إني قد أجرت محمداً، فلا يهجه أحد منكم او يتعرض له.

فانتهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الركن، فاستلمه، وصلى ركعتين،وانصرف إلى بيته ومطعمٌ وولده محدقون به شاهرين السلاح حتى اقام صلاته ودخل بيته. ولم يتجرى اي احد على التعرض له او حتى لمزه بكلمة.



فسأله أبو جهل: أمُجير انت أم مُتابع؟

قال: بل مُجير،

فقال له ابو جهل : ونحن قد أجرنا من أجرت.

فلما مات المطعم بن عدي وصلت الاخبار للمسلمين قام حسان بن ثابت وقال والله لارثينّه، فقال ابيانا في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة:

أَيَا عَيْنُ فَابْكِي سَيِّدَ الْقَوْمِ وَاسْفَحي بِدَمْعٍ وَإِنْ أَنْزَفْتِهِ فَاسْكُبِي الدَّمَا
وَبَكِّي عَظِيمَ الْمَشْعَرَيْنِ كِلَيْهِمَا عَلَى النَّاسِ مَعْرُوفًا لَهُ مَا تَكَلَّمَا
فَلَوْ كَانَ مَجْدٌ يُخْلَدُ الدَّهْرَ وَاحِدًا مِنْ النَّاسِ، أَبْقَى مَجْدُهُ الْيَوْمَ مُطْعِمَا
أَجَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا عَبِيدَكَ مَا لَبَّى مُهِلٌّ وَأَحْرَمَا
فَلَوْ سُئِلَتْ عَنْهُ مَعَدٌّ بِأَسْرِهَا وَقَحْطَانُ أَوْ بَاقِي بَقِيَّةِ جُرْهُمَا
لَقَالُوا هُوَ الْمُوفِي بِخُفْرَةِ جَارِه وَذِمَّتِهِ يَوْمًا إذَا مَا تَذَمَّمَا
فَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ الْمُنِيرَةُ فَوْقَهُمْ عَلَى مِثْلِهِ فِيهِمْ أَعَزَّ وَأَعْظَمَا
وَآبَى إذَا يَأْبَى وَأَلْيَنَ شِيمَةً وَأَنْوَمَ عَنْ جَارٍ إذَا اللَّيْلُ أَظْلَمَا.

وظل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حافظًاً لجميل المطعم بن عدي وموقفه معه حتى بعد موته على الكفر ،فلما وقعت غزوة بدر، وأسَرَ المسلمون سبعين من المشركين، قال: ( لو كان المطعم بن عدي حيا ثم طلب الشفاعة في هؤلاء لتركتهم له ).



رغم كل ما قام به لنصرة المسلمين لم يغني عنه ذلك من الله شيئا ومات على الكفر.

فلن يدخل الجنة الا من وحد الله عزا وجل ورضي بالإسلام دينا.

المصادر
1- الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج1، ص210-212، دار صادر، بيروت.
2 - البزار في البحر الزاخر، ج8، ص332.
3- سير أعلام النبلاء للذهبي، ترجمة جبير بن مطعم
4- السيرة النبوية، ابن هشام، ج1، ص380.