كيف تسبب هاتف IPhone الأصلي بالنجاح الهائل لنظام Android؟



من المعروف اليوم أن نظام Android هو نظام الهواتف الأكثر هيمنة في العالم ودون منازع، إذ أن قرابة 75% من الهواتف الذكية المستخدمة اليوم تعتمد أحد إصدارات Android المختلفة وبالتالي هناك أكثر من ملياري هاتف فعال يستخدم النظام مما يجعله من أهم الأشياء التي تقدمها شركة Google الشهيرة.

لكن بينما تسير الأمور اليوم بشكل سلس نحو المزيد من الهيمنة لنظام Android حتى، فالأمور لم تكن دائماً كذلك، ولفترة من الزمن كانت Google تعاني بشدة لتسويق نظام Android وبالأخص لشركات الاتصالات الأمريكية. لكن ومع صدور هاتف iPhone الأصلي عام 2007 تغيرت الأمور بسرعة، وخلال وقت قياسي بدأت شركات الاتصالات الأمريكية بالتسابق على إدراج هواتف Android ضمن خياراتها.

في هذا الموضوع سنسلط الضوء على الفترة الأولى من تاريخ نظام Android، وكيف أن المنافس الوحيد لهيمنة Android اليوم: هواتف iPhone هي سبب انتشاره الهائل ونجاحه الاستثنائي في السنوات اللاحقة.

بدايات فكرة أندرويد كنظام

تأسست شركة Android Inc. أصلاً عام 2003 مع هدف أساسي هو تطوير نظام تشغيل ذكي يكون واعياً أكثر لتفضيلات المستخدم عموماً. ومع أن الأفكار الأولية كانت تستهدف تطوير النظام للكاميرات الرقمية بالدرجة الأولى، سرعان ما تم التخلي عن هذه الفكرة والاتجاه نحو تطوير نظام للهواتف الذكية لينافس نظامي SymbisnOS (الذي كان يشغل معظم هواتف Nokia حينها) وWindows Mobile الذي كان يمر بأفضل فترات نجاحه حينها.

في عام 2005 قامت شركة Google بالاستحواذ على شركة Android Inc. ضامة موظفي الشركة إليها في واحدة من أنجح صفقات الشركة حتى اليوم، وبدأ العمل بشكل أكثر جدية على تطوير النظام وتصميم نماذج أولية لهواتف أندرويد بالتعاون مع الشركات المصنعة، لكن في حينها واجهت Google صعوبات كبرى في التسويق للهواتف التي تريد إنتاجها: شركات الاتصالات لم تكن متحمسة حقاً او مهتمة بالنظام الجديد.

دور شبكات الاتصالات في سوق الهواتف الأمريكية

في معظم البلدان حول العالم تباع الهواتف إلى المستخدمين بشكل مباشر عادة، حيث عادة ما تتركز المبيعات على مراكز الشركات العالمية أو عبر وكلاء محليين مختلفين، لكن في الولايات المتحدة الأمور مختلفة، وحتى اليوم لا تزال النسبة الأكبر من الهواتف تباع عبر شركات الاتصالات في الواقع، وفي فترة الإصدارات الأولية من أندرويد كان السوق محصوراً بهذه الشركات بشكل يمنع أي شركة هواتف لا تمتلك عقداً مع إحدى الشبكات الكبرى من النجاح.

سبب اعتماد السوق الأمريكية على شركات الاتصالات لبيع الهواتف منطقي إلى حد بعيد في الواقع، حيث أن هذه الشركات كانت حريصة على جذب الزبائن إليها منذ بداية عملها بتقديم عقود التمويل الممتد بدلاً من طريقة البيع المباشر، حيث يدفع المستخدمون جزءاً صغيراً من سعر الهاتف (وفي بعض الحالات لا يدفعون أي دفعة أولى أصلاً) ومن ثم يقسم السعر على أقساط شهرية تأتي ضمن عقود مع الشركة تتضمن باقات أخرى عادة.

في الواقع وحتى اليوم لا تزال شركات الاتصالات الأمريكية هي العامل الأساسي لنجاح أي شركة هواتف ذكية في السوق الأمريكي، والعديد من الشركات الصينية مثل هواوي وشاومي قد واجهت صعوبات كبرى في دخول السوق الأمريكية لأنها لا تمتلك صفقات مع شركات الاتصالات.

ما الذي غيره هاتف iPhone الأصلي ليسمح بنجاح Android؟

في عام 2007 كشف مؤسس شركة Apple ورئيسها في ذلك الوقت Steve Jobs عن أحدث مشاريع الشركة الثورية: هاتف iPhone الأصلي والذي أحدث ضجة كبيرة حينها بسبب هجره للأزرار تماماً والتركيز على كون الهاتف مناسب لكل الاستخدامات معاً من تشغيل موسيقى وتصفح ويب وسواها. لكن من حيث التأثير على Android كان الأمر متركزاً بأمرين أساسيين:

شاشات اللمس

من حيث المبدأ كانت شاشات اللمس في الهواتف متاحة قبل هاتف iPhone الأصلي بسنوات عديدة وحتى أنها استخدمت في أجهزة ذكية أخرى منذ التسعينيات، لكن الفرق هنا هو نوع شاشة اللمس المستخدمة، فالشاشات السابقة كانت تعتمد المقاومة (Resistive) أي أنها تحتاج لتطبيق الضغط عليها وليس ملامستها فقط، لذا فقد كانت موجودة لكن غير محببة حقاً وبالأخص للكتابة باستخدام لوحات المفاتيح، بينما كانت شاشة هاتف iPhone الأصلي سعوية (Capacitive) لا تحتاج سوى إلى ملامسة خفيفة من إصبع اليد لتستجيب وبدقة عالية.

النموذج الأولي لنظام Android، دون شاشة لمس ومع لوحة مفاتيح Qwerty

في الواقع كان كشف هواتف iPhone صدمة كبرى لفريق تطوير Android حينها، فتصميماتهم الأولى كانت تعتمد هواتف تقليدية مع أزرار ولوحة مفاتيح فيزيائية دون أي دعم للمس، لكن بمجرد مشاهدة هاتف iPhone تغير المنظور فوراً نحو شاشات اللمس كونها هي مستقبل الهواتف بنظرهم، وهذا ما حصل بالفعل.

بالطبع كانت مهمة تحويل النظام ليعمل بشكل جيد مع شاشات اللمس صعبة نسبياً وتتطلب الكثير من التعديلات، لذا فقد كانت واجهات نظام أندرويد في سنواته الأولى سيئة للغاية في الواقع، واحتاج الأمر سنوات عدة قبل أن يصبح النظام سلساً حقاً للاستخدام بشكل من الممكن أن ينافس نظام iOS.

إثارة قلق شركات الاتصالات الأمريكية

في الإصدار الأول على الأقل، كانت الطريقة الوحيدة لشراء هاتف iPhone الأصلي هي بعقد مع شركة الاتصالات الكبرى AT&T، وكما هو معروف فقد حقق الهاتف نجاحاً هائلاً وشكل قفزة نوعية في عالم الهواتف الذكية حينها، وبالنتيجة أدركت شركات الاتصالات الأمريكية الأخرى أنها تحتاج إلى منافس دون شك، ففي حال استمرت هواتف iPhone بالتمدد ستكون شركة AT&T هي المستفيدة فيما ستتراجع شركات الاتصالات الأخرى لأنها لا تمتلك منتجاً مقابلاً.

مع ازدياد مخاوف شركات الاتصالات الأمريكية سرعان ما تغير موقفها من نظام Android ومشروع Google في مجال الهواتف، إذ ظهر النظام كالمنافس المثالي الممكن لهيمنة هواتف iPhone، وبدلاً من عدم الاهتمام السابق باتت شركات الاتصالات هي من يريد إقناع Google بالتعامل معها.

نتيجة اهتمام شركات الاتصالات الأمريكية بالهواتف سرعان ما بدأت Google بتقوية علاقاتها مع الشركات المصنعة، وبدأت هواتف Android الأولى من شركات مثل HTC وSamsung وMotorola وLG، ومع الوقت بدأت هذه الهواتف بتحقيق نجاحات كبرى ساهمت بالإطاحة بشركة Nokia من جهة، وبدأت تنافس هواتف iPhone بقوة حتى.

بقية القصة للتاريخ

هاتف Motorola Droid من عام 2009

خلال السنوات الأولى من عمر نظام Android كان هناك انطباع عام بكونها لا تعدو عن بديل أرخص من هواتف iPhone، وفي الواقع كان ذلك صحيحاً إلى حد بعيد وربما هو السبب بكون النظام لا يزال يربط تلقائياً بالهواتف الرخيصة اليوم مع أنه يشغل بعضاً من أغلى الهواتف في العالم. لكن مع الوقت بدأت الشركات بتقديم هواتف مع قدرات أفضل تتمكن من المنافسة بشكل حقيقي.

لعل واحدة من أولى قصص النجاح بمنافسة iPhone حقاً كانت لهاتف Motorola Droid الذي نجح بشكل كبير حينها، ومن ثم أتى أول هواتف Samsung Galaxy S ليؤكد أن هواتف Android ليست مجرد خيار رخيص (ولا يمكن إنكار أن الهاتف استوحى الكثير من واجهته من هواتف iPhone حينها).

بمرور السنوات سقطت معظم الشركات الأولى في عالم Android تباعاً، فمع أن أسماء مثل HTC وSony وLG لا تزال تعمل بصنع الهواتف اليوم، فقد انهارت مبيعاتها بشكل هائل ولم تعد لها حصة سوقية تذكر، وباستثناء شركة Samsung التي لا تزال أكبر مصنع هواتف ذكية في العالم، باتت قائمة الشركات الكبرى مكونة من الشركات الصينية التي أتت متأخرة نسبياً، لكنها تمكنت من تحقيق النجاح وبالأخص في الفئة المتوسطة والفئة الدنيا من الهواتف.

اليوم وبعد أكثر من عقد على الأجيال الأولى من هواتف Android بات من الواضح أن النظام قد تطور كثيراً عبر السنوات، وأنه سيستمر بالهيمنة على السوق لفترة طويلة على الأرجح بسبب متجر Google Play العملاق والذي سيجعل محاولة المنافسة من أي نظام سوى iOS شبه مستحيلة لأن بناء متجر تطبيقات جديد أمر صعب للغاية اليوم، وجعله قادراً على منافسة متجر يتضمن ملايين التطبيقات والألعاب يبدو أشبه بمهمة مستحيلة أعجزت Microsoft نفسها ودفعتها للتخلي عن نظام Windows Phone حتى قبل سنوات.